فصل: سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ الجبرتي المسمى بـ «عجائب الآثار في التراجم والأخبار» (نسخة منقحة)



.سنة اثنتين وثلاثين ومائتين وألف:

.شهر المحرم سنة 1232:

واستهل المحرم بيوم الخميس، وحاكم مصر والمتولي عليها وعلى ضواحيها وثغورها من حد رشيد ودمياط إلى أسوان وأقصى الصعيد واسكاسة القصير والسويس وساحل القلزم وجدة ومكة والمدينة والأقطار الحجازية بأسرها محمد علي باشا القوللي ووزيره وكتخداه محمد آغا لاظو والدفتدار محمد بك صهر الباشا وزوج ابنته وآغات الباب إبراهيم آغا ومدبر أمور البلاد والأطيان والرزق والمساحات وقبض الأموال الميرية وحساباتها ومصاريفها محمود بك الخازندار والسلحدار سليمان آغا حاكم الوجه القبلي محمد بك الدفتردار صهر الباشا عوض إبراهيم باشا ولد الباشا لانفصاله عن إمارة الوجه القبلي وسفره إلى الحجا أنفار لمحاربة الوهابيين وباقي أمراء الدولة مثل عابدين بك وإسماعيل باشا ابن الباشا وخليل باشا وهو الذي كان حاكم الإسكندرية سابقاً وشريف آغا وحسين بك دالي باشا وحسين بك الشماشرجي وحسن بك الشماشرجي الذي كان حاكماً بالفيوم وغير هؤلاء وحسن آغا آغات الينكجرية وعلي آغا الوالي وكاتب الروزنامه مصطفى أفندي وحسن باشا بالديار الحجازية وشاه بندر التجار السيد محمد المحروقي وهو المتعين لمهمات الأسفار وقوافل العربان ومخاطباتهم وملاقاة الأخبار الواصلة من الديار الحجازية والمتوجه إليها وأجر المحمول وشحنة السفن ولوازم الصدارين والواردين والمنتجعين والمقيمين والراحلين والمتعهد بجميع فرق القبائل والعشير وغوائلهم ومحاكماتهم وأرغابهم وإرهابهم وسياستهم على اختلاف أخلاقهم وطباعهم وهو المتعين أيضاً لفصل قضايا التجار والباعة وأرباب الحرف البلدية وفصل خصوماتهم ومشاجرتهم وتأديب المنحرفين منهم والنصابين وبعوثات الباشا ومراسلاته ومكاتباته وتجاراته وشركاته وابتداعاته واجتهاده في تحصيل الأموال من كل وجه وأي طريق ومتابعة توجيه السرايا والعساكر والذخائر إلى نواحي الحجاز للآغارة على بلاد الوهابية وأخذ الدرعية مستمر لا ينقطع والعرضي منصوب خارج باب النصر وباب الفتوح وإذا ارتحلت طائفة خرجت أخرى مكانها.
وفيه، سومحت أرباب الحرف والباعة والزياتون والجزارون والخضرية والخبازون ونحوهم من المسانهات والمشاهرات واليوميات الموظفة عليهم للمحتسب ونودي برفعها أما المحتسب في الأسواق وعوض المحتسب عنها خمسة أكياس كل شهر يستوفيها من الخزينة وعملوا تسعيراً بترخيص أسعار المبيعات بدلاً عما كانوا يعرفونه للمحتسب من غير مراعاة النسبة والمعادلة في غالب الأصناف فإن العادة عند إقبال وجود الفاكهة أو الخضروات تباع بأغلى ثمن لعزتها وقلتها حينئذ وشهوة الطباع واشتياق النفوس لجديد الأشياء وزهدها في القديم الذي تكرر استعماله وتعاطيه كما يقال لكل جديد لذة فلم يراعوا ذلك ولم ينظروا في أصول الأشياء أيضاً فإن غالب الأصناف داخل في المحتكرات وزيادة المكوس الحادثة في هذه السنين وما يضاف إلى ذلك من طمع الباعة والسوقة وغشهم وقبحهم وعدم ديانتهم وخبث طباعهم فلما نودي بذلك وسمع الناس رخص المبيعات ظنوا بغفلتهم حصول الرخاء ونزلوا على المبيعات مثل الكلاب السعرانة وخطفوا ما كان بالأسواق بموجب التسعيرة من اللحم وأنواع الخضروات والفاكهة والأدهان فلما أصبح اليوم الثاني لم يوجد بالأسواق في شيء من ذلك وأغلقت الفاكهانية حوانيتهم وأخفوا ما عندهم وطفقوا يبيعونه خفية وفي الليل بالثمن الذي يرتضونه والمحتسب يكثر الطواف بأسواق ويتجسس عليهم ويقبض على من أغلق حانوته أو وجدها خالية أو عثر عليه أنه باع بالزيادة وينكل بهم ويسحبهم مكشوفين الرؤس مشنوقين وموثقين بالحبال ويضربهم ضرباً مؤلماً ويصلبهم بمفارق الطرق مخزومين الأنوف ومعلق فيها النوع المزاد في ثمنه فلم يرتجعوا عن عادتهم ثم أن هذه المناداة والتسعيرة ظاهرها الرفق بالرعية ورخص الأسعار وباطنها المكر والتحيل والتوصل لما سيظهر بعد عن قريب وذلك أن ولي الأمر لم يكن له من الشغل إلا صرف همته وعقله وفكرته في تحصيل المال والمكاسب وقطع أرزاق المسترزقين والحجر والاحتكار لجميع الأسباب ولا يتقرب إليه من يريد قربه إلا بمساعدته على مراداته ومقاصده ومن كان بخلاف ذلك فلا حظ له معه مطلقاً ومن تجاسر عليه من الوجهاء بنصح أو فعل مناسب ولو على سبيل التشفع حقد عليه وربما أقصاه وأبعده وعاداه معاداة من لا يصفو أبداً وعرفت طباعه وأخلاقه في دائرته وبطانته فلم يمكنهم إلا الموافقة والمساعدة في مشروعاته إما رهبة أو خوفاً على سيادتهم ورياستهم ومناصبهم إما رغبة أو طمعاً وتوصلاً للرياسة والسيادة وهم الأكثر وخصوصاً أعداء الملة من نصارى الأرمن وأمثالهم الذين هم الآن أخصاء لحضرته ومجالسته وهم شركاؤه في أنواع المتاجر وهم أصحاب الرأي والمشورة وليس لهم شمل ودرس إلا فيما يريد حظوتهم ووجاهتهم عند مخدومهم وموافقة أغراضه وتحسين مخترعاته وربما ذكروه ونبهوه على أشياء تركها أو غفل عنها من المبتدعات وما يتحصل منها من المال والمكاسب التي يسترزقها أرباب تلك الحرفة لمعاشهم ومصاريف عيالهم ثم يقع الفحص على أصل الشيء وما يتفرع منه وما يؤول إذا أحكم أمره وانتظم ترتيبه وما يتحصل منه بعد التسعير الذي يجعلونه مصاريف الكتبة والمباشرين أبرزت مباديه في قالب العدل والرفق بالرعية ولما وقع الالتفات إلى أمر المذابح والسلخانة وما يتحصل منها وما يكتسبه الموظفون فيها فأول ما بدؤا به إبطال جميع المذابح التي بجهات مصر والقاهرة وبولاق خلاف السلخانة السلطانية التي خارج الحسينية وتولى رياستها شخص من الأتراك ثم سعرت هذه التسعيرة فجعل الرطل الذي يبيعه القصاب بسبعة أنصاف فضة وثمنه على القصاب من المذبح ثمانية أنصاف ونصف وكان يباع قبل هذه التسعيرة بالزيادة الفاحشة فحش وجود اللحم وأغلقت حوانيت الجزارين وخسروا في شراء الأغنام وذبحها وبيعها بهذا السعر وأنهي أمر شحة اللحم إلى ولي الأمر وأن ذلك من قلة المواشي وغلو أثمان مشترواتها على الجزارين وكثرة رواتب الدولة والعساكر وأشيع أنه أمر بمراسيم إلى كشاف الأقاليم قبلي وبحري لشراء الأغنام من الأرياف لخصوص رواتبه ورواتب العسكر والخاصة وأهل الدولة ويترك ما يذبحه جزار والمذبح لأهل البلدة وعند ذلك ترخص الأسعار ثم تبين خلاف ذلك وأن هذه الإشاعة توطئة وتقدمة لما سيتلى عن قريب.
وفي منتصفه، وصلت أغنام وعجول وجواميس من الأرياف هزيلة وازدادت بإقامتها هزالاً من الجوع وعدم مراعاتها فذبحوا منها المذابح أقل من المعتاد وزعت على الجزارين فيخص الشخص منهم الاثنان أو الثلاثة فعندما يصل إلى حانوته وهو مثل الحرامي فيتخاطفها العساكر التي بتلك الخطة وتزدحم الناس فلا ينوبهم شيء وتذهب في لمح البصر ثم امتنع وجودها واستمر الحال والناس لا يجدون ما يطبخونه لعيالهم وكذلك امتنع وجود الخضراوات فكان الناس لا يحصلون القوت إلا بغاية المشقة واقتاتوا بالفول المصلوق والعدس والبيصار ونحو ذلك وانعدم وجود السمن والزيت والشيرج وزيت البزر وزيت القرطم لاحتكارها لجهة الميري وأغلقت المعاصر والسيارج وامتنع وجود الشمع والعسل والشمع المصنوع من الشحم لاحتكار الشحم والحجز على عمال الشمع فلا يصنعه الشماعون ولا غيرهم ونودي على بيع الموجود منه بأربعة وعشرين نصفاً وكان يباع بثلاثين وأربعين فأخفوه وطفقوا يبيعونه خفية بما أحبوا وانعدم وجود بيض الدجاج لجعلهم العشرة منه بأربعة أنصاف وكان قبل المناداة اثنان بنصف وكل ذلك والمحتسب يطوف بالأسواق ويشدد على الباعة ويؤلمهم بالضرب والتجريس وفقد وجود الدجاج فلا يكاد يوجد بالأسواق دجاجة لأنه نودي على الدجاجة باثني عشر نصفاً وكان الثمن عنها قبل ذلك خمسة وعشرين فأكثر.

.شهر صفر الخير سنة 1232:

فيه حضر المعلم غالي من الجهة القبلية ومعه مكاتبات من محمد بك الدفتردار الذي تولى إمارة الصعيد عوضاً عن إبراهيم باشا ابن الباشا الذي توجه إلى البلاد الحجازية لمحاربة الوهابية يذكر فيها نصح المعلم غالي وسعيه في فتح أبواب تحصيل الأموال للخزينة وأنه ابتكر شيء وحسابات يتحصل منها مقادير كثيرة من المال فقوبل بالرضا والإكرام وخلع عليه الباشا واختص به وجعله كاتب سره ولازم خدمته وأخذ فيما ندب إليه وحضر لأجله التي منها حسابات جميع الدفاتر وأقلام المبتدعات ومباشريها وحكام الأقاليم.
وفيه، تجردت عدة عساكر أتراك ومغاربة إلى الحجاز وصحبتهم أرباب صنائع وحرف.
وفيه، أرسل الباشا إلى بندر السويس أخشاباً وأدوات عمارة وبلاط كذان وحديداً وصناعاً بقصد عمارة قصر لخصوصه إذا نزل هناك.

.شهر ربيع الأول سنة 1232:

فيه شحت المبيعات والغلال والأدهان وغلا سعر الحبوب وقل وجودها في الرقع والسواحل فكان الناس لا يحصلون شيئاً منها إلا بغاية المشقة.
وفيه، عزل الباشا حكام الأقاليم والكشاف ونوابهم وطلبهم للحضور وأمر بحسابهم وما أخذوه من الفلاحين زيادة على ما فرضه لهم وأرسل من قبله أشخاصاً مفتشين للفحص والتجسس على ما عسى يكون أخذوه منهم من غير ثمن فأخذوا يقررون المشايخ والفلاحين ويحررون أثمان مفرق الأشياء من غنم أو دجاج أو تبن أو عليق أو بيض أو غير ذلك في المدة التي أقامها أحدهم بالناحية فحصل للكثير من قائم مقاماتهم الضرر وكذلك من انتمى إليهم فمنهم من اضطر وباع فرسه واستدان.
وفيه، حضر علي كاشف من شرقية بلبيس معزولاً عن كشوفيتها وقلدها خلافه وكان كاشفاً بالإقليم عدة سنوات وكذلك جرى لكاشف المنوفية والغربية وحضر أيضاً حسن بك الشماشرجي من الفيوم معزولاً ووجهه الباشا إلى ناحية درنة لمحاربة أولاد علي.

.شهر ربيع الثاني سنة 1232:

فيه حصل الحجز والمنع على من يذبح شيئاً من المواشي في داره أو غيرها ولا يأخذ الناس لحوم أطعمتهم إلا من المذبح وأقفت عساكر بالطرق رصداً لمن يدخل المدينة بشيء من الأغنام وذلك أنه لما نزلت لمراسيم إلى الكشاف بمشترى المواشي من الفلاحين وإرسالها إلى المكان الذي أعده الباشا لذلك ويؤخذ منها مقدار ما يذبح بالسلخانة في كل يوم لرواتب الدولة والبيع طلب كشاف النواحي شراء الأغنام والعجول والجواميس بالثمن القليل من أربابها فهرب الكثير من الفلاحين بأغنامهم فيخرجون من القرية ليلاً ويدخلون ويمرون بها في الأسواق ويبيعونها بما أحبوا من الثمن على الناس فانكب الناس على شرائها منهم لجودتها ويشترك الجماعة في الشاة فيذبحونها ويقسمونها بينهم وذلك لقلة وجدان اللحم كما سبقت الإشارة إليه وإن تيسر وجوده فيكون هزيلاً رديئاً فإن في كل يوم ترد الجملة الكثيرة من بحري وقبلي إلى المكان المعد لها ولم يكن ثم من يراعيها بالعلف والسقي فتهزل وتضعف فلما كثر ورود الفلاحين بالأغنام وشراء الناس لها ووصل خبر لك إلى الباشا فأمر بوقوف عساكر على مفارق الطرق خارج المدينة من كل ناحية فيأخذون الشاة من الفلاحين إما بالثمن أو يذهب صاحبها معها إلى المذبح فتذبح في يومها ومن الغد ويوزن اللحم خالصاً ويعطى لصاحبها ثمنه عن كل رطل ثمانية فضة ونصف ويوزن على الجزارين بذلك الثمن بما فيه من القلب والكبد والمنحر والمذاكير والمخرج بما فيه من الزبل أيضاً والجزارون يبيعونها على من يشتري لشدة الطلب بزيادة النصف والنصفين بل والثلاثة والأربعة إن كان به نوع جودة وأما الأسقاط من الرؤوس والجلود والكروش فهو للميري وكذلك يفعل فيما يرد لخاصة الناس من الأغنام يفعل بها كذلك ولا يأخذ إلا قدر راتبه في كل يوم من المذبح.
وفيه، شح وجود الغلال في الرقع والسواحل حتى امتنع وجود الخبز في الأسواق فأخرج الباشا جانب غلة ففرقت على الرقع وبيعت على الناس وهي ألف أردب انفضت في يومين ولا يبيعون أزيد من كيلة أو كيلتين وبيع الأردب بألف ومائتين وخمسين نصفاً.
وفيه، أفرد محل لعمل الشمع الذي يعمل من الشحوم بعطفة ابن عبد الله بك جهة السروجية واحتكروا لأجل عمله جميع الشحوم التي من المذبح وغيره وامتنع وجود الشحم من حوانيت الدهانين ومنعوا من يعمل شيئاً من الشمع في داره أو في القوالب الزجاج وتتبعوا من يكون عنده شيء منها فأخذوها منه وحذروا من عمله خارج المعمل كل التحذير وسعروا رطله بأربعة وعشرين نصفاً.

.شهر جمادى الأولى سنة 1232:

فيه، حول معمل الشمع إلى جهة الحسينية عند الدرب الذي يعرف بالسبع والضبع.
دوفيه، ارتحلت عساكر مجردة إلى الحجاز.
وفيه، برزت أوامر إلى كشاف النواحي بإحصاء عدد أغنام البلاد والقرى ويفرض عليها كل عشر شياه واحدة من أعظمها إما كبش أو نعجة بأولادها يجمعون ذلك ويرسلون به إلى مجمع أغنام الباشا وفرض أيضاً على كل فدان رطلاً من السمن يجمع الأرطال مشايخ البلاد من الفلتحين عند كشاف النواحي ويرسلونها إلى مصر وسبب هذه الحادثة أنه لما عملت التسعيرة وتسعر رطل السمن بستة وعشرين نصفاً ويبيعه السمان والزيات بزيادة نصفين امتنع وجوده وظهوره فيأتي الفلاح ليلاً في الخفية ويبيعه للزبون أو للمتسبب بما أحب ويبيعه المتسبب أيضاً بالزيادة لمن يريده سراً فيبيعون الرطل بأربعين وخمسين ويزيد على ذلك غش المتسبب وخلطه بالدقيق والقرع والشحم وعكر اللبن فيصفو على النصف ولا يقدر مشتريه على رد غشه للبائع لأنه ما حصله إلا بغاية المشقة والعزة والإنكار والمنع وإن فعل لا يجد من يعطيه ثانياً وتقف طائفة من العسكر بالطرق ليلاً وفي وقت الغفلات يرصدون الواردين من الفلاحين ويأخذونه منهم بالقهر ويعطونهم ثمنه بالسعر المرسوم ويحتكرونه هم أيضاً ويبيعونه لمن يشتريه منهم بالزيادة الفاحشة فامتنع وروده إلا في النادر خفية مع الغرر أو الخفارة والتحامي في بعض العساكر من أمثالهم واشتد الحال في انعدام السمن حتى على أكابر الدولة فعند ذلك ابتدع الباشا هذه البدعة وفرض على كل فدان من طين الزراعات رطلاً من السمن ويعطي في ثمن الرطل عشرين نصفاً فاشتغلوا في تحصيل ما دهمهم من هذه النازلة وطولب المزارع بمقدار ما يزرعه من الأفدنة أرطالاً من السمن ومن لم يكن متأخراً عنده شيء من سمن بهيمته أو لم يكن له بهيمة أو احتاج إلى تكملة موجود عنده فيشتريه ممن يوجد عنده بأغلى ثمن ليسد ما عليه اضطرار أجزاء وفاقاً.
وفيه، حصل الإذن بدخول ما دون العشرة من الأغنام إلى المدينة وكذلك الإذن لمن يشتري شيئاً منها من الأسواق وسبب إطلاق الإذن بذلك مجيء بعض أغنام إلى أكابر الدولة ولا غنى عن ذلك ولا دني منهم أيضاً وحجزوا عن وصولها إلى دورهم فشكوا إلى الباشا فأطلق الإذن فيما دون العشرة.
وفيه، أيضاً امتنع وجود الغلال بالعرصات والسواحل بسبب احتكارها واستمرار انجرارها ونقلها في المراكب قبلي وبحري إلى جهة الإسكندرية للبيع على الإفرنج بالثمن الكثير كما تقدم ووجهت المراسيم إلى كشاف النواحي بمنع بيع الفلاحين غلالهم لمن يشتري منهم من المتسببين والتراسين وغيرهم وبأن كل ما احتاجوا لبيعه مما خرج لهم من زراعتهم يؤخذ لطرف الميري بالثمن المفروض بالكيل الوافي واشتد الحال في هذا الشهر وما قبله حتى قل وجود الخبز من الأسواق بل امتنع وجوده في بعض الأيام وأقبلت الفقراء نساء ورجالاً إلى الرقع بمقاطفهم ورجعوا بها فوارغ من غير شيء وزاد الهول والتشكي وبلغ الخبر الباشا فأطلق أيضاً ألف أردب توزع على الرقع ويباع على الناس إما ربع واحداً وكيلة فقط وكل ربع ثمنه قرش فيكون الأردب بأربعة وعشرين قرشاً.
وفيه، حضر حسن بك الشماشرجي من ناحية درنة وبلد أخرى يقال لها سيوة وصحبته فرقة من أولاد علي وذلك أن أولاد علي افترقوا فرقتين أحدهما طائعة والأخرى عاصية عن الطاعة ومنحازون إلى هذه الناحية فجرد الباشا عليهم حسن بك المذكور فحاربهم وهزمهم وهزموه ثانياً فرجع إلى مصر فضم إليه الباشا جملة من العساكر وأصحب معه الفرقة الأخرى الطائعة فسار الجمع ودهموهم على حين غفلة وتقدم لحربهم إخوانهم الطائعة وقتلوا منهم وآغاروا على مواشيهم وأباعرهم وأغنامهم فأرسلوا المنهوبات إلى جهة الفيوم وفي ظن العرب أن الغنائم تطيب لهم وحضر حسن بك وصحبته كبار العرب من أولاد علي الطائعين وفي ظنهم الفوز بالغنيمة وأن الباشا لا يطمع فيها لكون النصرة كانت بأيديهم وأنه يشكرهم ويزيدهم أنعاماً وكانوا نزلوا ببر الجيزة وحضر حسن بك إلى الباشا فطلب كبار العرب ليخلع عليهم ويكسوهم، فلما حضروا إليه أمر بحبسهم وإحضار الغنيمة من ناحية الفيوم بتمامها فأحضروها بعد أيام وأطلقهم فيقال أن الأغنام ستة عشر ألف رأس أو أكثر ومن الجمال ثمانية آلاف جمل وناقة وقيل أكثر من ذلك.
وفيه نجزت عمارة السواقي التي أنشأها الباشا بالأرض المعروفة برأس الوادي بناحية شرقية بلبيس قيل أنها تزيد على ألف ساقية وهي سواقي دواليب خشب تعمل في الأرض التي يكون منبع الماء فيها قريباً واستمر الصناع مدة مستطيلة في عمل آلاتها عند بيت الجبجي وهو بيت الرزاز الذي جهة التبانة بقرب المحجر وتحمل على الجمال إلى الوادي هناك المباشرون للعمل المقيدون بذلك وغرسوا بها أشجار التوت الكثيرة لتربية دود القز واستخراج الحرير، كما يكون بنواحي الشام وجبل الدوروز، ثم برزت الأوامر إلى جميع بلاد الشرقية بأشخاص أنفار من الفلاحين البطالين الذين لم يكن لهم أطيان فلاحة يستوطنون بالوادي المذكور وتبنى لهم كفور يسكنون فيها ويتعاطون خدمة السواقي والمزارع ويتعلمون صناعة تربية القز والحرير واستجلب أناساً من نواحي الشام والجبل من أصحاب المعرفة بذلك ويرتب للجميع نفقات إلى حين ظهور النتيجة، ثم يكونون شركاء في ربع المتحصل، ولما برزت المراسيم بطلب الأشخاص من بلاد الشرق أشيع في جميع قرى الأقاليم المصرية إشاعات وتقولوا أقاويل منها أن الباشا يطلب من كل بلدة عشرة من الصبيان البالغين وعشرة من البنات ويزوجهم بهن ويمهرهن من ماله ويرتب لهم نفقات إلى بد وصلا المزارع، ثم أشاعوا الطلب للصبيان الغير مختونين ليرسلهم إلى بلاد الإفرنج ليتعلموا الصنائع التي لم تكن بأرض مصر وشاع ذلك في أهل القرى وثبت ذلك عندهم فختن الجميع صبيانهم ومنهم من أرسل ابنه أو بنته وفيها عند معارفه بالمدينة إلى غير ذلك من الأقاويل التي لم يثبت منها إلا ما ذكر أولاً من أن المطلوب جلب الفلاحين البطالين من بلد الشرقية لا غير وقد تعمر هذا الوادي بالسواقي والأشجار والسكان من جميع الأجناس وانتشأ دنيا جديدة متسعة لم يكن لها وجود قبل ذلك بل كانت برية خراباً وفضاء واسعاً.
وفيه سافر جملة من عساكر الأتراك والمغاربة وكبيرهم إبراهيم آغا الذي كان كتخدا إبراهيم باشا، ثم تولى كشوفية المنوفية وصحبته خزينة وجبخانة ومطلوبات لمخدومه.

.شهر جمادى الثانية سنة 1232:

واستهل شهر جمادى الثانية بيوم الثلاثاء في أوائله حضر إلى مصر بن يوسف باشا حاكم طرابلس وعه أخوه أصغر منه يستأذنان الباشا في حضور والدهما إلى مصر فاراً من والده وكان ولاه على ناحية درنة وبني غازي فحصل منه ما غير خاطر والده عليه وعزم على أن يجرد عليه فأرسل أولاده إلى صاحب مصر بهدية يستأذن في الحضور إلى مصر والالتجاء إليه فأذن له في الحضور وهو ابن أخي الذي بمصر أولاً وسافر مع الباشا إلى الحجاز ورجع إلى مصر واستمر ساكناً بالسبع قاعات.
وفيه وصل الخبر بأن إبراهيم آغا سافر مع الجردة لما وصل إلى العقبة أمر من بصحبته من المغاربة والعسكر بالرحيل، فلما ارتحلوا ركب هو في خاصته وذهب على طريق الشام.
وفي ليلة الأربعاء سادس عشره، وصل جراد كثير ليلاً ونزل ببستان الباشا بشبرا وتعلق بالأشجار والزهور وصاحت الخولة والبستانجية وأرسل الباشا إلى الحسينية وغيرها فجمعوا مشاعل كثيرة وأوقدوها وضربوا بالطبول والصنوج النحاس لطرده وأمر الباشا لكل من جمع منه رطلاً فله قرشان فجمع الصبيان والفلاحون منه كثيراً.
ثم في ليلة السبت تاسع عشره، قبل الغروب وصل جراد كثير من ناحية المشرق ماراً بين السماء والأرض مثل السحاب وكان الريح ساكناً فيقط منه الكثير على الجنائن والمزارع والمقاثيء، فلما كان في نصف الليل هبت رياح جنوبية واستمرت واشتد هبوبها عند انتصاف النهار وأثارت غباراً أصفر وعبوقاً بالجو ودامت إلى بعد العصر يوم السبت فطردت ذلك الجراتد وأذهبته فسبحان الحكيم المدبر اللطيف.
وفي يوم الأحد طاف مناد أعمى يقوده آخر بالأسواق ويقول في ندائه من كان مريضاً أو به رمداً وجراحة وإدارة فليذهب إلى خان بالموسكي به أربعة من حكماء الإفرنج أطباء يداوونه من غير مقابلة شيء فتعجب الناس من هذا وتحاكوه وسعوا إلى جهتهم لطلب التداوي.
وفيه حضر ابن باشت طرابلس ودخل إلى المدينة وصحبته نحو المائتي نفر من أتباعه فأنزله الباشا في منزل أم مرزوق بك بحارة عابدين وأجرى عليه النفقات والرواتب له ولأتباعه.
وفي يوم الخميس حادي عشرينه، وصل خبر الأطباء ومناداتهم إلى كتخدا بك فأحضر حكيم باشا وسأله فأنكر معرفتهم وأنه لا علم عنده بذلك فأمر بإحضارهم وسألهم فخلطوا في الكلام فأمر بإخراجهم من البلدة ونفوهم في الحال، وذهبوا إلى حيث شاء الله ولو فعل مثل هذه الفعلة بعض المسلمين لجوزي بالقتل أو الخازوق، وكان صورة جلوسهم أن يجلس أحدهم خارج المكان والآخر من داخل وبينهما ترجمان ويأتي مريد العلاج إلى الأول وهو كأنه الرئيس فيجس نبضه أو بيضه وكأنه عرف علته ويكتب له ورقة فيدخل مع الترجمان بها لآخر بدخل المكان فيعطيه شيئاً من الدهن أو السفوف أو الحب المركب ويطلب منه إما قرشاً أو قرشين أو خمسة بحسب الحال وذلك ثمن الدواء لا غير وشاع ذلك وتسامع به الناس وأكثرهم معلول من طبيعتهم التقليد والرغبة في الوارد الغريب فتكاثروا وتزاحموا عليهم فجمعوا في الأيام القليلة جملة من الدراهم واستلطف الناس طريقتهم هذه بخلاف ما يفعله الذين يدعون التطبيب من الإفرنج واصطلاحهم إذا دعي الواحد منهم لمعالجة المريض فأول ما يبدأ به نقل قدمه بدراهم يأخذها إما ريال فرانسة أو أكثر بحسب الحال والمقام، ثم يذهب إلى المريض فيجسه ويزعم أنه عرف علته ومرضه وربما هول على المريض داءه وعلاجه، ثم يقاول على سعيه في معالجته بمقدار من الفرانسة إما خمسين أو مائة أو أكثر بحسب مقام العليل ويطلب نصف الجعالة ابتداء ويجعل على كل مرة من التردادات عليه جعالة أيضاً، ثم يزاوله بالعلاجات التي تجددت عندهم وهي مياه مستقطرة من الأعشاب أو أدهان كذلك يأتون بها للمرضى في قوارير الزجاج اللطيفة في المنظر يسمونها بأسماء بلغاتهم ويعربونها بدهن البد زهر وإكسير الخاصة ونحو ذلك فإن شفى الله العليل أخذ منه بقية ما قاوله عليه أو أماته طالب الورثة بباقي الجعالة وثمن الأدوية طبق ما يدعيه وإذا قيل له أنه قد مات قال في جوابه أني لم أضمن أجله وليس على الطبيب منع الموت ولا تطويل العمر وفيهم من جعل له في كل يوم عشرة من الفرانسة.
وفيه رأى رأيه حضرة الباشا حفر بحر عميق يجري إلى بركة عميقة تحفر أيضاً بالإسكندرية تسير فيها السفن بالغلال وغيرها ومبدؤها من مبدً خليج الأشرفية عند الرحمانية فطلب لذلك خمسين ألف فأس ومسة يصنعها صناع الحديد وأمر بجمع الرجال من القرى وهم مائة ألف فلاح توزع على القرى والبلدان للعمل والحفر بالأجرة وبرزت الأوامر وبذلك فارتبك أمر الفلاحين ومشايخ البلاد لأن الأمر برز بحضور المشايخ وفلاحيهم فشرعوا في التشهيل وما يتزيدون به في البرية ولا يدرون مدة الإقامة فمنهم من يقدرها بالسنة ومنهم بأقل أو أكثر.